أما قوله بالجلوس في حق الله تعالى فهو ثابت عنه وإن نفاه بعض أتباعه لما استبشعوا ذلك، ذكر ذلك في كتابه منهاج السنة النبوية فقال ما نصه "ثم إن جمهور أهل السنّة يقولون إنّه ينزل ولا يخلو منه العرش كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته" اهـ. وهذه فرية على أهل السنّة ولا يستطيع أن يأتي بعبارة لأحد منهم، فهذا محض تقوّل على الأئمّة كما تقوّل في مسألة زيارة قبور الأنبياء والأولياء للدعاء عندها رجاء الإجابة، وتعامى عما أطبق عليه السلف والخلف من قصد القبور رجاء الإجابة من الله..
وقال في كتابه شرح حديث النزول ما نصّه "والقول الثالث وهو الصواب وهو المأثور عن سلف الأمة وأئمّتها أنه لا يزال فوق العرش، ولا يخلو العرش منه مع دنوه ونزوله إلى السماء، ولا يكون العرش فوقه" اهـ
وقال فيه ايضًا ما نصه "والذين يثبتون تقريبه العباد الى ذاته هو القول المعروف للسلف والائمة، وهو قول الاشعري وغيره من الكلابية، فإنهم يثبتون قرب العباد الى ذاته، وكذلك يثبتون استواءه على العرش بذاته ونحو ذلك، ويقولون: الاستواء فعل فعله في العرش فصار مستويا على العرش ، وهذا أيضا قوا ابن عقيل وابن الزاغوني وطوائف من أصحاب أحمد وغيرهم" أهـ
وقال فيه ايضا وفي فتاويه ما نصه "وقال أهل السنة في قوله (الرَّحمَنُ علَى العَرْشِ استَوَى) الاستواء من الله على عرشه المجيد على الحقيقة لا على المجاز" اهـ
وقال أيضا فيهما ما نصه "واذا كان قعود الميت في قبره ليس هو مثل قعود البدن، فما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم من لفظ القعود والجلوس في حق الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهما أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد" اهـ
ويقول ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية ما نصه "الوجه الخامس: أن العرش في اللغة السرير بالنسبة الى مافوقه، وكالسقف الى ما تحته، فإذا كان القرءان قد جعل لله عرشا وليس هو بالنسبو إليه كالسقف عُلم أنه بالنسبة إليه كالسرير بالنسبة الى غيره، وذلك يقتضى أنه فوق العرش" اهـ
وقال في تفسير سورة العلق ما نصه "ومن ذلك حديث عبدالله بن خليفة المشهور الذي يروى عن عمر عن النبي

ثم قال ما نصه "وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي، وأنه ذكر عظمة العرش، وأنه مع هذه العظمة فالرب مستو عليه كله لا يفضل منه قدر أربعة أصابع، وهذه غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء الإنسان" اهـ
فليُنظر إلى قوله "يدل على أن الصواب في روايته النفي" أي على زعمه أن رواية النفي وهي " لا يفضل من العرش شىء" أصح من رواية أنها يفضل منه إلا أربع أصابع ثم قال ما نصه "ومن قال: "ما يفضل إل مقدار أربع أصابع" فما فهموا هذا المعنى، فظنوا أنه استثنى، فاستثنوا، فغلطوا. وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام. وإلا فأي حكمة في كون العرش يبقى منه قدر أربع أصابع خالية، وتلك الأصابع أصابع من الناس، والمفهوم من هذا أصابع الإنسان. فما بال هذا القدر اليسير لم يستو الرب عليه" اهـ
وقال في المنهاج ما نصه "وأما قوله إنه يفضل عنه من العرش من كل جانب أربع أصابع فهذا لا أعرف قائلا له ولا ناقلا ولكن روى في حديث عبدالله بن خليفة أنه ما يفضل من العرش أربع أصابع يروى بالنفى ويروى بالإثبات والحديث قد طعن فيه غير واحد من المحدثين كالإسماعيلي وابن الجوزي ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه، ولفظ النفى لا يرد عليه شيء فإن مثل هذا اللفظ يرد لعموم النفى كقول النبي


فليُنظر إلى قوله "ولفظ النفي لا يَردُ عليه شىء" كيف يجيز نسبة هذا إلى النبي


وأما عبارته في فتاويه فإنها صريحة في إثباته الجلوس لله فقال فيه ما نصه "فقد حدّث العلماء المرضيّون وأولياؤه المقربون أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه" اهـ.
وقد نقل عنه هذه العقيدة أبو حيّان الاندلسي النحوي المفسر المقرىء


ونقل أبي حيان هذا كان قد خذف من النسخة المطبوعة القديمة، ولكن النسخة الخطية تثبته، وسبب حذفه من النسخة المطبوعة ما قاله الزاهد الكوثري

فلينظر العقلاء إلى تخبط ابن تيمية حيث يقول مرة إنه جالس على العرش، ومرة إنه جالس على الكرسي، وقد ثبت في الحديث أن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في أرض فلاة فكيف ساغ عقله والأعجب من ذلك نقله قول عثمان الدارمي المجسم عن الله سبحانه وتعالى "ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات والارض" اهـ. نعوذ بالله من مقت القلوب..
ويبطل قوله هذا كلام الإمام علي بن الحسين زين العابدين

ويبطله أيضًا قول الإمام الحجة أبي المظفر الاسفراييني

ونقل ابن تيمية وأمثاله لا ينفع في العقائد لأنه لا يحتج في إثبات صفة لله إلا بنص الكتاب والسنة المتفق على صحتها السالم رواتها عن الضعيف، فلا يحتج في ذلك بالحديث إذا كان في رواته من هو مختلف فيه، فلا تثبت صفة بقول صحابي ولو صح الإسناد إليه، وما يروى عن التابعي أولى بعدم الاحتجاج به وقد ناقض ابن تيمية نفسه فيذكر في منهاجه عن حديث المهدي ما نصه "الثاني : أن هذا من أخبار الآحاد ، فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الإيمان إلا به" اهـ
ثم إنه احتج بالمختلف في إسناده بل الموضوع، إضافة إلى احتجاجه بأقوال السجزي وعثمان الدارمي لإثبات بزعمه التجسيم ونسبة الحدّ والحركة والجلوس في حق الله سبحانه وتعالى، أليس هذا تلونا ؟ّ؟؟ وقد ثبت أنه كان يعتمد كتبهما كما ذكر تلميذه ابن القيم في كتابه المسمى اجتماع الجيوش الإسلامية ونصه "كتاب الدارمي – أي النقض على بشر المريسي والرد على الجهمية– من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعما" ثم قال "وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يوصي بهما أشد الوصية ويعظمهما جذا" اهـ.. وكيف لا يعظمهما وهما مرجعه في التجسيم و التشبيه..
وأما ما هو مذكور في نسخ الإبانة الموجودة اليوم مع نسبتها إلى أبي الحسن الأشعري من هذه العبارة وهذ هي بحروفها "ومن دعاء أهل الإسلام جميعًا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى بالأمر النازل بهم يقولون: يا ساكن العرش، ومن حلفهم جميعًا قولهم: لا والذي احتجب بسمع سموات"، فهو كذب ظاهر تعمّد مفتريه على الأشعري نسبة ذلك إليه، لأن الواقع يكذب ذلك فإن هاتين العبارتين لم ينقلا عن إمام ولا عن عالم أنه قال ذلك في دعائه أو في حلفه بل ولا عن عوام المسلمين فما أوقح هذا الذي نسب إليه هذا الكلام فإنه لا يستحي من الله ولا من المسلمين، فهذا الكتاب لا يجوز الاعتماد عليه لأن كل نسخة فيها هذا الكلام وما أشبهه فهي مدسوسة على الإمام أبي الحسن، والإمام أبو الحسن من أشهر من عُلم بنغي التحيّز عن الله, وقد صرّح بمنع قول إن الله بمكان كذا، وإن الله بمكان واحد أو في جميع الأمكنة، وهذا الذي توارد عليه أصحابنا الذين تلقوا عنه عقيدة أهل السنة والذين تلقّوا عنهم وهلم جرّا قال الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه الوصية والفقه الاكبر ما نصه (نقرُّ بأن الله على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو الحافظ للعرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجا لما قدر على أيجاد العالم وتدبيره كالمخلوق، ولو كان محتاجاً إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله تعالى، تعالى عن ذلك علواً كبيرا)...ً