أما قوله بقيام الحوادث بذات الله تعالى فقد ذكره في كتابه الموافقة فقال ما نصه "فمن أين في القرءان ما يدل دلالة ظاهرة على أن كل متحرك محدَث أو ممكن، وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن، وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها، وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث" اهـ
وقال في موضع ءاخر منه ما نصه "أما الشرع فليس فيه ذكر هذه الأسماء في حق الله لا بنفي ولا إثبات، ولم ينطق أحد من سلف الأمة وأئمتها في حق الله تعالى بذلك لا نفيًا ولا إثباتًا، بل قول القائل: إن الله جسم أو ليس بجسم، أو جوهر أو ليس بجوهر، أو متحيز أو ليس بمتحيز، أو في جهة أو ليس في جهة، أو تقوم به الأعراض والحوادث أو لا تقوم به ونحو ذلك كل هذه الأقوال محدثة بين أهل الكلام المحدث لم يتكلم السلف والأئمة فيها لا بإطلاق النفي ولا بإطلاق الإثبات" اهـ
وقال في المنهاج ما نصه "فإنا نقول إنه يتحرك وتقوم به الحوادث والأعراض فما الدليل على بطلان قولنا؟ اهـ
قال في التفسير ما نصه "ومن قال: إن الخلق حادث كالهشامية والكرّامية قال: نحن نقول بقيام الحوادث به، ولا دليل على بطلان ذلك، بل العقل والنقل والكتاب والسنة واجماع السلف يدل على تحقيق ذلك، كما قد بسط في موضعه. ولا يمكن القول بأن الله يدير هذا العالم إلا بذلك، كما اعترف بذلك أقرب الفلاسفة إلى الحق كأبي البركات صاحب "المعتبر" وغيره" اهـ
وقال أيضا ما نصه "بخلاف ما إذا قيل: كان قبل هذا الكلام كلام وقبل هذا الفعل فعل جائز عند أكثر العقلاء أئمة السنة، أئمة الفلاسفة وغيرهم" اهـ
ثم قال "وأما إذا قيل: قال "كن" وقبل "كن" "كن"، وقبل "كن" "كن"، فهذا ليس بممتنع، فإن هذا تسلسل في ءاحاد التأثير لا في جنسه، كما أنه في المستقبل يقول "كن" بعد "كن"، ويخلق شيئا بعد شىء إلى غير نهاية" اهـ
وقال في المنهاج ما نصه "فإن قلتم لنا: فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب، قلنا لكم: نعم وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع العقل" اهـ
ثم قال فيه ما نصه "وقد أخذنا بما في قول كل من الطائفتين من الصواب وعدلنا عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما، فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت به قلنا: ومن أنكر هذا قبلكم؟ السلف الأئمة، ونصوص القرءان والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل وهو قول لازم لجميع الطوائف، ومن أنكره فلم يعرف لوازمه، ولفظ الحوادث مجمل فقد يراد به الأعراض والنقائص والله منزه عن ذلك، ولكن يقوم به ما شاءه ويقدر عليه من كلامه وأفعاله ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة" اهـ
وقال أيضا في الفتاوى ما نصه "وأما قولهم: وجود ما لا يتناهى من الحوادث محال، فهذا بناء على دليلهم الذي استدلوا به على حدوث العالم وحدوث الأجسام، وهو أنها لا تخلو من الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، وهذا الدليل باطل عقلاً وشرعًا، وهو أصل الكلام الذي ذمه السلف والأئمة، وهو أصل قول الجهمية نفاة الصفات، وقد تبين فساده في مواضع" اهـ
ومعنى قوله قيام الحوادث بذات الله فهو أنه يعتقد أن الله تعالى تقوم به الحركة والسكون أي أنه متصف بالحركة والسكون الحادثين وشبه ذلك مما يقوم بذوات المخلوقين، ومن هنا يتضح قول الحافظ تقي الدين السبكي وغيره كما قدمنا أنه -أي ابن تيمية- جعل الحادث قديمًا والقديمُ حادثًا، ولم يوافق في قوله هذا أحدًا من أئمة الحديث إلا المجسمة. ومن العجب افتراء ابن تيمية هذا معرضا عن حجة إبراهيم المذكورة في القرآن من احتجاجه بقيام الحوادث بالقمر والكوكب والشمس على عدم ألوهيتهم، وبقيام دلائل الحدوث بهم وهو التحول من حال إلى حال.
وقد اتبع ابن تيمية في عقيدته هذه الكرّامية شبرًا بشبر، وقد ذكر ابن التلمساني شيئًا من معتقداتهم الفاسدة التي تبنّاها ابن تيمية، فقال الشيخ شرف الدين بن التلمساني


وقال الإمام أبو المظفر الإسفراييني

فتبين مما أوردناه أن ابن تيمية ليس له سلف إلا الكرامية ونحوهم، وليس كما يدعي أنه يتبع السلف الصالح، ومن المصيبة أن يأخذ مثل ابن تيمية بمثل هذه الفضيحة، فمذهبه خليط من مذهب ابن كرّام واليهود والمجسمة، نعوذ بالله من ذلك.
وقد أجاب الإمام الحجة الإسفراييني

فيكون بهذا ما توسع به ابن تيمية في كتبه من تجويز قيام الحوادث به تعالى وحلولها فيه خارجًا عن معتقد أهل السنة والجماعة، أهل الحق.
فائدة: قال سيف الدين الآمدي
